عن تحريم العملات اللامركزية

في عام 1493م، صدرت فتوى عظيمة، تقضي بتحريم الطباعة على كل رعاية الدولة العثمانية التي كانت حاكمة حينها لمعظم العالم الإسلامي. هذه الفتوى غير المسؤولة حرمت العالم الإسلامي من انتشار العلم لأكثر من مئتي عام، بحجة الخوف على القرآن والكتب الشرعية من التحريف.

هذه العقلية ذاتها، تفتي اليوم بين الناس بتحريم العملات اللامركزية cryptocurrencies، بحجة أنها وهمية ولا قيمة لها، وبحجة أن أسعارها بشكل عام مبنية على التكهنات الاقتصادية speculation، وعلى التداول.

سأقولها بكل صراحة، هذا ضرب من التقاعس ابتلينا به بشدة في العالم الإسلامي. أولاً، ليس عندي أي مشكلة في التحليل والتحريم، وليس عندي مشكلة في تدخل الدين في مختلف أمور الحياة، وأيضاً ليس عندي اعتراض على السبب الذي حرمت من أجله الطباعة، أو على جزء من الأسباب التي يحرمون من أجلها هذه العملات.

إنما اعتراضي على هذه العقلية المتقاعسة. هذه العقلية التي إن وجدت مشكلة في شيء ما نسفته من جذوره، بدلاً من أن تحاول ابتداع حلول لمشاكله. هذه العقلية التي تهرع إلى التحريم، لتعود بعد ذلك إلى أحكام الوضوء التي حفظتها عن ظهر قلب، لتعود إلى الـcomfort zone. 

نعم قد يكون هناك خطر أن يؤدي انتشار الطباعة إلى تحريف القرآن، ولكن لم لا تقوم إذا بالتفكير بحل لهذه المشكلة، لم لا تقوم يا سيادة المفتي بعملك الذي أسند إليك، وهو توجيه المجتمع وإيجاد حلول لمشاكله، بدل أن تهرع إلى التحريم، ثم تعود للقعود على مؤخرتك. لا أدري، فقط لا أدري كيف أمكن لشخص أن يحرم شيئاً عظيم الفائدة على الأمة كلها، فقط لوجود مشكلة صغيرة كان يمكن أن يحلها بشيء من الإبداع والتفكير.

واليوم، يهرعون علينا بتحريم الـbitcoin وأخواتها، مع ما يمكن أن تدره علينا من فوائد اقتصادية، ومن تحرير لاقتصادنا من الحكومات المتهالكة. نعم، الـbitcoin فيها مشاكل، وفيها مشاكل تقنية قبل المشاكل الدينية. فالـbitcoin مثلاً ليست scaleable ولا تصلح للمداولات الصغيرة الـmicrotransactions. ولكننا لم نرَ أهل التقانة يفتون بفشلها، وإنما سارعوا إلى بناء تعديل لها يسمى بالـlightning network لحل هذه المشكلة، فلم لا نرى علماء الأمة الإسلامية، يسارعون إلى حل مشاكل الـbitcoin الفقهية. لماذا يجب أن ننتظر أن تنجح واحدة من هذه العملات، ويتبناها العالم كله، لنجد علماء أمتنا فيما بعد أتوا صاغرين وحللوها بعد أن يكون الأوان قد فات. لماذا لا نأخذ المبادرة بيدنا ولو مرة واحدة، ونحاول أن نبني اقتصاداً جديداً متوافقاً مع المبادئ التي نؤمن بها؟ لماذا لا نرى أبداً العقلية الريادية entrepreneurial mindset في المجال الديني؟  

أنا أتحدى واحداً من هؤلاء الذين سلمناهم أمرنا، فخانونا بتقاعسهم.. هؤلاء الذين يرمون بفتاوى التحريم جزافاً، أتحدى أحدهم أن يشرح لي ما هي الـbitcoin، ما هي الـethereum، ما هي الـblockchain، ما هو الـsmart contract، ما معنى الـhard fork. ما سبب بطء الـbitcoin، كيف يتم الـmining، ما هي سياسة الـbitcoin في موضوع الـinflation (بافتراض أنهم يعرفون أصلاً ما هو الـinflation)،ما هي الـwallet، ما هي سياسة الـbitcoin في موضوع الخصوصية، ما هي أهم أنواع العملات اللامركزية وما هي الفروقات بينها، ما الفرق بين trust-based model وtrustless model، ما هي بعض الحلول المقترحة للمشاكل المختلفة... وأخيراً، أتحداهم أن يقدموا جواباً عقلانياً ومقنعاً على أبسط سؤال: ما الفرق بين الذهب، وبين الـbitcoin...

لذلك، فإني أناشد من سلمتهم الأمة أمرها، أن يتفكروا، وأن يتمهلوا.. نعم في العملات اللامركزية أسئلة وتحديات ومشاكل، ولكن هذا حال كل جديد... ما من جديد خلق كاملاً مكملاً وجاهزاً للاستخدام... وإن وضعتم جهودكم ووجهتم من يستمع إليكم لحل هذه المشاكل والتحديات، لوجدتم من الإبداع ما يذهلكم.. أليس هذا أفضل من أن تطفئوا الحماس في قلوب الشباب بكلمة "حرام"؟ هذه فرصة لكم، لتنيروا الحماس والإبداع والحركة في قلوب الشباب، وتدفعوهم ليحلوا مشاكلهم وتحدياتهم بطريقة فاعلة، لا أن ينتظروا ليأتيهم كل شيء ء دون عناء... لأنه إن أتى حينها، لن يأتي على طبق من ذهب... بل على لجام من حديد...

Comments

Popular Posts